خطبة الجمعة 9 يونيو 2023م : الحج رحلة إيمانية ، للشيخ عمر مصطفي
خطبة الجمعة القادمة 9 يونيو 2023م بعنوان : الحج رحلة إيمانية ، للشيخ عمر مصطفي، بتاريخ 20 ذو القعدة 1444هـ ، الموافق 9 يونيو 2023م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 9 يونيو 2023م بصيغة word بعنوان : الحج رحلة إيمانية ، للشيخ عمر مصطفي
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 9 يونيو 2023م بصيغة pdf بعنوان : الحج رحلة إيمانية ، للشيخ عمر مصطفي
عناصر خطبة الجمعة القادمة 9 يونيو 2023م ، بعنوان : الحج رحلة إيمانية ، للشيخ عمر مصطفي.
أولًا: {وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ }.
ثانيًا: الحــــجُّ رحـــلةٌ إلي اللــــــهِ تعــــــالي.
ثالثًا: التلـــــبيةُ منــــهجُ حيــــــاةٍ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 9 يونيو 2023م ، بعنوان : الحج رحلة إيمانية ، للشيخ عمر مصطفي ، كما يلي:
الحجُّ رحلةٌ إيمانيةٌ
20ذو القعدة 1444 هـ- 9 يونيو 2023م
الموضوع
الحمدُ للهِ علي ما خصنَا بهِ مِن الفضلِ والإكرامِ، فما زالَ يوالِي علينَا مواسمَ الخيرِ والإنعامِ، ما انتهَي شهرُ رمضانَ حتي أعقبَهُ بأشهرِ الحجِّ إلي بيتهِ الحرام، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلّا اللهُ الملكُ القدوسُ السلامُ، وأشهدُ أنّ سيدنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ أفضلُ مَن صلّي وصامَ، وطافَ بالبيتِ الحرامِ، اللهُمّ صلِّي عليهِ وعلي آلهِ وصحابتهِ الكرام، وسلمْ تسليمًا كثيرًا.
أمّا بعدُ:
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة 9 يونيو 2023م
أولًا: {وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ }.
عبادَ الله: إنّ نعمَ اللهِ علينَا لا تُعدُّ ولا تُحصَي، قالَ تعالي : { وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ } (النحل)، ومِن أجلِّ نعمَ اللهِ علينَا ما شرعَ لنَا مِن الشرائعِ العظيمةِ، وما خصّنَا بهِ مِن المواسمِ الكريمةِ، التي تتوالَي علينَا كلَّ يومٍ، وكلَّ أسبوعٍ، وكلَّ عامٍ، تحملُ لنَا كلَّ خيرٍ وتبعدُ عنّا كلَّ سوءٍ وشرٍّ.
عبادَ اللهِ: إنَّ الصلاةَ تنهَي عن الفحشاءِ والمنكرِ، ولذكرُ اللهِ أكبرُ، قالَ اللهُ تعالي :{ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ }(العنكبوت). إِنَّ الصلاةَ الجامعةَ لشروطِهَا وآدابِهَا، المستوفيةَ لخشوعِهَا وأحكامِهَا، إِذا أدّاهَا المُصلّي كما ينبغِي، وكان خاشعًا في صلاتهِ، متذكرًا لعظمةِ ربِّهِ، متدبرًا لِمَا يتلُو، نهتهُ عن الفواحشِ والمنكراتِ، ولذكرُ اللهِ أكبرُ مِن كلِّ شيءٍ في الدنيا، وهو أنْ تتذكرَ عظمتَهُ وجلالَهُ، وتذكرَهُ في صلاتِكَ وفي بيعِكَ وشرائِكَ، وفي أمورِ حياتِكَ ولا تغفلْ عنهُ في جميعِ شؤونِكَ، {والله يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ}، يعلمُ جميعَ أعمالِكُم وأفعالِكُم فيجازِيكُم عليها أحسنَ المجازاةِ، قالَ أبو العاليةِ: إنّ الصلاةَ فيها ثلاثُ خصالِ: الإِخلاصُ، والخشيةُ، وذكرُ اللهِ، فالإِخلاصُ يأمرُهُ بالمعروفِ، والخشيةُ تنهاهُ عن المنكرِ، وذكرُ اللهِ ( القرآنُ ) يأمرُهُ وينهاهُ، فكلُّ صلاةٍ لا يكونُ فيها شيءٌ مِن هذه الخلالِ فليستْ بصلاةٍ.(صفوة التفاسير).
والصلاةُ أكبرُ معينٍ للمؤمنِ علي أعباءِ الحياةِ، قالَ تعالي:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ }(البقرة ).
والزكاةُ إحسانٌ ومواساةٌ للفقيرِ والمسكينِ، وطهارةٌ للنفسِ وتزكيةٌ لهَا، فهي لا كمَا يظنُّ الكثيرُ مِن الناسَ أنَّها مغرمٌ، بل هي مغنمٌ، قال تعالي: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(التوبة).
وهي سببٌ للبركةِ في المالِ وزيادتهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ، قَالَ: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ، إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ»(صحيح مسلم).
أمَّا الصيامُ فهو تركٌ للشهواتِ والمألوفاتِ ومحبوباتِ النفسِ طاعةٌ للهِ تعالي، وفي ذلك تربيةٌ وتهذيبٌ للنفسِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ” قَالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ، إِلَّا الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ “(صحيح البخاري).
والحجُّ جهادٌ في سبيلِ اللهِ، يُنفَقُ فيهِ المالُ، ويُتعَبُ فيهِ البدنُ، ويُترَكُ الأهلُ والأصحابُ والأحبابُ، ويُفارَقُ الأوطانُ، كلٌّ ذلك تلبيةً لنداءِ ربِّهِ علي لسانِ الخليلِ إبراهيمَ عليهِ السلامُ، قالَ تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}(الحج).
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة 9 يونيو 2023م
ثانيًا: الحــــجُّ رحـــلةٌ إلي اللــــــهِ تعــــــالي.
عبادَ الله: إنَّ الحجَّ رحلةٌ إلي اللهِ، رحلةٌ إيمانيةٌ، رحلةٌ روحيةٌ، رحلةُ تهذيبٍ للنفسِ، و تطهيرٌ للروحِ، رحلةٌ يرتاحُ فيها المؤمنُ مِن همومِ الحياةِ ويلقيهَا خلفَ ظهرهِ، رحلةٌ يُقبلُ فيها العبدُ علي ربِّهِ بقلبهِ.
عبادَ الله: إنَّ الحجَّ طهارةٌ للمسلمِ مِن المعاصِي والذنوبِ، وإقبالٌ على فعلِ الطاعاتِ، ومسارعةٌ إلى فعلِ الخيراتِ، وفوزٌ برضَا اللهِ تعالي ، لذلك يبادرُ الحاجُّ إلى التوبةِ النصوح، والندمِ على فعلِ السيئات، والعزيمةِ الصادقةِ على الاستقامةِ على الطريقِ السليمِ طريقِ النبيِّ الأمينِ ﷺ ، وردِّ المظالمِ إلى أهلِهَا، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:( مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُا اليَوْمَ، قَبْلَ أَنْ لاَ يَكُونَ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ».(صحيح البخاري).
عبادَ الله: إنّ المسلمين في الصلواتِ الخمسِ يتجهونَ إلى البيتِ الحرامِ حين يصبحونَ وحين يمسون، وعندما تهلُّ عليهم أشهرُ الحجِّ تهفُو نفوسُهُم إلى زيارتهِ فيشدّ مَن استطاعَ منهم الرحالَ إليهِ، وقد تزودُوا بزادٍ حلالٍ لأنّ اللهَ طيبٌ لا يقبلُ إلّا طيبًا، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ” أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا، إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون: 51] وَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 172] ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟ “(صحيح مسلم).
ويتزود بالتقوى فإنّ خيرَ الزادِ التقوَى، قالَ تعالي: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ}(البقرة).
فينعمَ بالصلاةِ هناك، حيثُ تتنزلُ عليهم الرحماتُ، وتفيضٌ عليهم البركاتُ، فيشعرونَ بالسكينةِ والأمنِ، قال تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}(آل عمران).
إنَّ الحجَّ يُربِّي المسلمَ علي اليقينِ في اللهِ، مع السعيِ و الأخذِ بالأسبابِ متوكلًا على اللهِ، طامعًا في جودهِ وعطائهِ، راضيًا بقضائهِ، فعندمَا يسعَي بينَ الصفَا والمروة، ويتلُوا قولَ اللهِ تعالى:{ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ}(البقرة).
يتأسّى في ذلك بالسيدةِ هاجر التي سعتْ بينهما بحثًا عن الماءِ لإرواءِ طفلِهَا الظامئِ إسماعيلَ عليه السلامُ، فأكرمَهَا اللهُ بماءِ زمزم وأكثرَ مِن ذلك لثقتِهَا باللهِ تعالى، وقالت لزوجِهَا إبراهيمَ عليه السلامُ حينما تركَهُمَا وذهبَ، (تَبِعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ فَقَالَتْ: يَا إِبْرَاهِيمُ، أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الوَادِي، الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إِنْسٌ وَلاَ شَيْءٌ؟ فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ مِرَارًا، وَجَعَلَ لاَ يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ لَهُ: آللَّهُ الَّذِي أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ نَعَمْ، قَالَتْ: إِذَنْ لاَ يُضَيِّعُنَا، ثُمَّ رَجَعَتْ)(صحيح البخاري).
إنّ الحجَّ مدرسةٌ للتربيةِ الروحيةِ والخلقيةِ والسلوكيةِ، يتدربُ فيها الحاجُّ على الطاعةِ، ومكارمِ الأخلاقِ، فيروضُ نفسَهُ على العبادةِ، ويغرسُ فيهَا روحَ الإيثارِ ينأىَ بنفسهِ عن الأنانيةِ، فيحبُّ إخوانَهُ، ويتجنبُ إيذاءَهُم، وخاصةً وقتَ الزحامِ، ويعفُو عن زلاتِهِم، ويهجرُ الجدالَ والشحناءَ والبغضاءَ، ويبتعدُ عن البذاءةِ والفحشِ وسفاسفِ الأخلاقِ، يلينُ لهم الكلامَ ويفشِي السلامَ ويطعمُ الطعامَ، قَالَ رسولُ اللهِ ﷺ: «مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ»(صحيح البخاري). عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «العُمْرَةُ إِلَى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الجَنَّةُ»(صحيح البخاري).
وقالَ تعالي: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ}(البقرة).
إنَّ الحاجَّ حينمَا يخلعُ ما يرتديهِ مِن ملابسِ الدنيا، ويلبسٌ ملابسَ الإحرامِ التي هي أشبهُ بأكفانِ الموتَى، يتذكرُ لقاءَ ربِّه عندمَا يفارقُ الدنيا، ويلتحقُ بالآخرةِ، ومِن ثمّ يهجرُ الفخرَ والكبرَ والاستعلاءَ، ويتركُ زينةَ الحياةِ الدنيا ويزهدُ فيها؛ لأنّه يخشَى يومَ الحسابِ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ ﷺ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا أَنَا عَمِلْتُهُ أَحَبَّنِي اللَّهُ وَأَحَبَّنِي النَّاسُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا يُحِبَّكَ اللَّهُ، وَازْهَدْ فِيمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ يُحِبُّكَ النَّاسُ»(سنن ابن ماجة).
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة 9 يونيو 2023م
ثالثًا: التلـــــبيةُ منــــهجُ حيــــــاةٍ.
عبادَ الله: إنّ اللهَ تعالى خلقَ الثقلين وأمرَهُم بعبادتهِ، وجعلَ للعبادةِ شرطًا لا تقبلُ بدونهِ، وهو الإخلاصُ والتوحيدُ، فالإسلامُ بشعائرهِ وفرائضهٍ كلِّهَا مرتبطٌ غايةَ الارتباطِ بكلمةِ التوحيدِ، ومِن تلك الشعائرِ شعيرةُ الحجِّ، والتي هي مِن أعظمِ الشعائرِ التي تقوّي وتحيِي في قلبِ العبدِ توحيدَ المعبودِ سبحانَهُ وتعالى ، لكثرةِ الأعمالِ التي توقفُ الإنسانَ مع ربِّه موحدًا متفكرًا تائبًا مِن أيِّ تقصيرٍ أو زللٍ.
إنّ التلبيةَ شعارُ التوحيدِ، ولذلك قال جابرُ بنُ عبدِ اللهِ رضي اللهٌ عنهما: فَأَهَلَّ رسولُ اللهِ ﷺ بِالتَّوْحِيدِ «لَبَّيْكَ اللهُمَّ، لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ، وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ».(صحيح مسلم).
لا إلهَ إلّا الله، اجتمعتْ في لبيكَ اللهُمّ لبيك؛ لأنّ لبيكَ اللهُم لبيكَ إثباتٌ، ولبيكَ لا شريكَ لكَ لبيكَ نفيٌ، قالَ تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا}(النساء).فهذا جماعُ كلمةِ الإخلاصِ نفيٌ وإثباتٌ، فكلمةُ لبيكَ اللهُمّ لبيكَ عهدٌ بينَ الحاجِّ وربِّهِ.
و التلبيةٌ إجابةُ دعوةِ إبراهيمَ عليه السلامُ بالحجِّ، إذ أمرَهُ اللهُ بالآذانِ بهِ، ووعدَهُ أنْ يأتوهُ رجالًا وعلى كلِّ ضامرٍ، عن ابنِ عباسٍ رضي اللهُ عنهما قال: (لما فرغَ إبراهيمُ مِن بناءِ البيتِ قيلَ لهُ: أذنْ في الناسِ بالحجِّ، قال: يا ربِّ، وما يبلغُ صوتي؟ قال: أذنْ وعلىَّ البلاغ، فنادى إبراهيمُ: أيُّها الناسٌ، كُتِبَ عليكم الحجُّ إلى البيتِ العتيقِ، فسمعَهُ من بين السماءِ والأرضِ، ألَا ترى الناسَ يجيئونَ مِن أقطارِ الأرضِ يلبون) .(شرح البخاري لابن بطال).
ومعناها : أنا مقيمٌ على طاعتِكَ وتوحيدِكَ إقامةً بعدَ إقامةٍ، وقيل: لَبَ مِن لُبِّ الشيءِ وخالصه، أي إخلاصِي وتوحيدِي لك يا اللهُ إخلاصًا بعدَ إخلاصٍ؛ لأنّ كلَّ عبادةٍ تتبعُ الأخرى، وقيل: لبّى إذا واجهَ الشيء، فكأنَّهُ يقولُ: وجهِي وقصدِي ووجهتِي كلٌّهَا إليكَ يا اللهُ، وجهةٌ بعدَ وجهةٍ، فهو يتجهُ إلى اللهِ في الطوافِ، ثم بعدَهُ في الصلاةِ، ثم بعدَهُ في السعي بين الصفًا والمروة ، ثم بعدهُ في المشاعرِ كلِّهَا، مِن مشعرٍ إلى مشعرٍ يتجهٌ إلى ربّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فكلمةُ التلبيةِ تدلُّ على التوحيدِ والإخلاصِ، ولابُدّ أنْ يستشعرَ العبدُ معناها، حتي تؤثرَ في قلبهِ فيزدادُ قربًا مِن ربِّهِ، ويقوَي يقينهُ، وينال السعادةَ في الدنيا والآخرةِ.
ويستشعرُ معني (إنّ الحمدَ والنعمةَ لك) فالحمدُ كلُّهُ أولهُ وآخرهُ، ظاهرهُ وباطنهُ، سرهُ وعلانيتهُ في الدنيا والآخرةِ للهِ جَلَّ جَلالُهُ، فللهِ الحمدُ في الأولى والآخرةِ، وله الحمدُ عشيًّا وإبكارًا، وله الحمدُ سرًّا وجهارًا، تَبَارَكَ اسمهُ، وتقدستْ أسماؤهُ، ولا إلهَ غيرهُ، و النعمةُ كلُّهَا للهِ والفضلُ كلُّهُ لهُ.
ويُرفعُ الصوتُ بهًا، ولذلك كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمرُ بذلك ، فإذا سمعَ صوتَكَ وأنت تُلبّي الحجرُ والشجرُ والمدرُ شهدَ لك بين يدي اللهِ جَلَّ جَلالُهُ، قال رسولُ اللهِ ﷺ : «لاَ يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ المُؤَذِّنِ، جِنٌّ وَلاَ إِنْسٌ وَلاَ شَيْءٌ، إِلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ».(صحيح البخاري).
كذلك إذا لبيتَ فإنَّ الأرضَ تشهدُ قال: رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «مَا مِنْ مُلَبٍّ يُلَبِّي، إِلَّا لَبَّى، مَا عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ، مِنْ حَجَرٍ، أَوْ شَجَرٍ، أَوْ مَدَرٍ، حَتَّى تَنْقَطِعَ الْأَرْضُ، مِنْ هَاهُنَا وَهَاهُنَا»(سنن ابن ماجة).
تابع / خطبة الجمعة القادمة 9 يونيو 2023م
الكونُ كلُّهُ يُلبّي، هذا الجمادُ يحبُّ ذكرَ اللهِ جَلَّ جَلالُهُ، ولذلك ينبغِي للمسلمِ أنْ يكثرَ مِن هذه التلبيةِ، وأنْ يرفعَ بها الصوت.
فاللَّهُمَّ اعنّا علي ذكرِكَ وشكرِكَ وحسنِ عبادتِكَ ،واجْعلْنَا مِن أهل طاعتِكَ وولايتِكَ، ربّنَا آتنَا في الدنيا حسنةً وفي الآخرةِ حسنةً وقنَا عذَابَ النار، واغفرْ لنَا ولوالِدِينَا ولِجميعِ المسلمينَ، اللهم اجعلْ مصرَ أمنًا أمانًا سلمًا سلامًا سخاءً رخاءً وسائرَ بلادِ المسلمين، اللهم احفظهَا مِن كلِّ مكروهٍ وسوءٍ، برحمتِكَ يا أرحمَ الراحمين، وصلَّى اللهُ وسلَّم على نبيِّنَا مُحمدٍ وعلى آلِهِ وصحبهِ أجمعين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
كتبه راجي عفو ربه عمر مصطفي
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف